فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان الظلام غير مقصود في نفسه، وكان بعد الضياء في غاية التعريف بموحده، عدل عن اسمه فقال معبرًا لمثل ما مضى: {يأتيكم بليل} أي ينشأ من ظلام؛ ثم بين بما يدل على ما حذفه من الأول فقال: {تسكنون فيه} فالآية من الاحتباك: ذكر الضياء أولًا دليلًا على حذف الظلام ثانيًا، والليل والسكون ثانيًا دليلًا على حذف النهار والانتشار أولًا.
ولما كان الضياء مما ينفذ فيه البصر قال: {أفلا تبصرون} أي بالبصر والبصيرة كيف تنقشع جلابيب الظلام، عن وجوه الضياء الغر الكرام، ثم تتقنع بسواد أردية الحياء، وجوه الأنوار والضياء قال ابن هبيرة: قال المبرد: سلطان السمع في الليل وسلطان البصر في النهار.
ولما كان التقدير: فمن حكمته جعل لكم السمع والأبصار، لتتدبروا آياته، وتتبصروا في مصنوعاته، عطف عليه {ومن رحمته} أي التي وسعت كل شيء لا من غيرها من خوف أو رجاء أو تعلق غرض من الأغراض {جعل لكم الليل والنهار} آيتين عظيمتين دبر فيهما وبهما جميع مصالحكم، وادخر معظم رحمته إلى الآخرة، ومحا آية الليل {لتسكنوا فيه} أي فلا تسعوا في معاشكم {و} جعل آية النهار مبصرة {لتبتغوا من فضله} بأن تسعوا في معاشكم بجهدكم، فالآية من الاحتباك: ذكر أولًا السكون دليلًا على حذف السعي في المعاش ثانيًا، والابتغاء ثانيًا دليلًا على حذف عدم السعي في المعاش أولًا.
ولما ذكر هذه النعمة التي أسبغها من هذه الرحمة، وذكر علة جعله لها على الصفة المذكورة، ذكر علة أخرى هي المقصودة بالذات لأنها نتيجة السمع والبصر اللذين، قدم الحث على استعمالهما فقال: {ولعلكم تشكرون} أي وليكون حالكم حال من يرجى منه الشكر بما يتجدد لكم بتقبلهما من النعم المتوالية المذكورة بالمنعم، وبما دبر لكم رفقًا بكم فيما كفلكم به في دار الأسباب من أمر المعاش والمعاد من الراحة بالسكون إثر ما أفادكم من الأرباح والمنح بالانتشار والتقلب، وأما الآخرة فلما كانت غير مبينة على الأسباب، وكان الجنة لا تعب فيها بوجه من الوجوه، كان لا حاجة فيها إلى الليل.
ولما ذكر ما للمفلح من الرجاء في يوم الجزاء، وأتبعه الإعلام بأن الهداية إلى الفلاح إنما هي به، ودل على ذلك إلى أن ذكر ايام الدنيا المشتملة على الليل والنهار على وجه دال على وحدانيته، معلم بالقدرة على البعث بعد الموت بتكرير إيجاد كل من الملوين بعد إعدامه وتكرير إماتة الناس بالنوم، ثم نشرهم باليقظة، وختم ذلك بالشكر إشارة إلى أنه سبب الفلاح، عاد إلى يوم الجزاء الذي تظهر فيه ثمرة ذلك كله، مقرعًا على الإشراك مع ظهور هذه الدلائل على التوحيد، وعدم شبهة قائمة على الشرك غير محض التقليد، فقال منبهًا على عجزهم عن البرهان عند استحقاق البرهان في يوم التناد، لمحضر من الأشهاد، مع ما فيه من التأكيد للتهويل بالتكرير، والتاطيد للتهليل والتقرير: {ويوم يناديهم} أي هؤلاء الذي يظنون أنهم معجزون {فيقول} بلسان الغضب والإخزاء والتوبيخ وقد جمعوا جمعًا: {أين شركاءي} وكرر الإشارة إلى أن إشراكهم إنما هو بالاسم لا معنى فيه أصلًا فقال: {الذين كنتم} أي بغاية جهدكم حتى صار لكم ذلك لمكة {تزعمون} بلا شبهة لكم في ذلك عند التحقق أصلًا.
ولما ذكر الدليل الأول من الدليل على إبطال الشركة أن الشركاء لم يستجيبوا لهم ولا كانت لهم قدرة على نصرهم ولا نصر أنفسهم، وكان ربما قيل: إن ذلك الشيء عبر العجز، دل هنا على الإشراك لا شبهة دليل فقال صارفًا بقول إلى مظهر التكلم بأسلوب العظمة لأنه مجرد فعال {ونزعنا} أي أفردنا بقوة وسطوة {من كل أمة شهيدًا} أي وهو رسولهم، فشهد عليهم بأعمالهم وما كانوا فيه من الارتباك في أشراك الإشراك.
ولما تسبب عن ذلك سؤالهم عن سندهم في إشراكهم قال: {فقلنا} أي للأمم: {هاتوا برهانكم} أي دليلكم القطعي الذي فزعتم في الدنيا إليه، وعولتم في شرككم عليه، كما هو شأن ذوي العقول أنهم لا يبنون شيئًا على غير أساس {فعلموا} بسبب هذا السؤال لما اضطروا ففتشوا واجتهدوا فلم يجدوا لهم سندًا أصلًا {أن الحق} أي في الإلهية {لله} أي الملك الأعلى الذي له الأمر كله ولا مكافىء له، لا شركة لشيء معه {وضل} أي غاب وبطل غيبة الشيء الضائع {عنهم ما كانوا} أي كونًا هو كالجبلة لهم {يفترون} أي يقولونه قول الكاذب المتعمد للكذب لكونه لا دليل عليه ولا شبهة موجبة للغلط فيه. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{عندي أولم} بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابن فليح وأبو عمرو وخزاعي عن أصحابه وابن مجاهد وأبو عون والسرندي عن قنبل. الباقون بالإسكان {ويكأن} {ويكأنه} الوقف على الياء: أبو عمرو ويعقوب {ويك} الوقف على الكاف و{ويكأنه} موصولة: روى السوسي عن السرندي وهو مذهب حمزة. الباقون كلاهما موصلان {لخسف} على البناء للفاعل: سهل ويعقوب وحفص {ربي أعلم} بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو.

.الوقوف:

{بضياء} ط {تسمعون} o {فيه} ط {تبصرون} o {تشكرون} o {تزعمون} o {يفترون} o {عليهم} ص لأن الواو للحال أي وقد آتينا مع طول الكلام {القوّة} ط بناء على أن التقدير وأذكر إذ قال: وقال في الكشاف: إنه متعلق ب {تنوء} فلا وقف {الفرحين} o {في الأرض} ط {المفسدين} o {عندي} ط {جمعًا} ط {المجرمون} o {في زينته} ط لعدم العاطف واختلاف القائل. {قارون} لا لأن ما بعده تعليل التمني ولو ابتدأنا لحكمنا بأنه ذو حظ {عظيم} o {صالحًا} ج لأن ما بعده احتمل أن يكون ابتداء إخبار من الله، واحتمل أن يكون من قول أهل العلم {الصابرون} o {من دون الله} ق قد قيل: لتفصيل الاعتبار {المنتصرون} o {ويقدر} ج للابتداء بلولا مع اتحاد المقول {لخسف بنا} ط {الكافرون} o {ولا فسادًا} ط {للمتقين} o {منها} ج لعطف جملة الشرط {يعملون} o {معاد} ط {مبين} o {للكافرين} o ز للآية مع العطف {المشركين} o للآية وخلو المعطوف عن نون التأكيد التي خلت المعطوف عليه مع اتفاق الجملتين آخرًا احترازًا من إيهام كون ما بعده صفة {آخر} o {لا إله إلا هو} ط {وجهه} ط {ترجعون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ}.
اعلم أنه تعالى لما بين من قبل استحقاقه للحمد على وجه الإجمال بقوله: {وَهُوَ الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَهُ الحمد في الأولى والآخرة وَلَهُ الحكم وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70] فصل عقيب ذلك ببعض ما يجب أن يحمد عليه مما لا يقدر عليه سواه فقال لرسوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَدًا إلى يَوْمِ القيامة} فنبه على أن الوجه في كون الليل والنهار نعمتان يتعاقبان على الزمان، لأن المرء في الدنيا وفي حال التكليف مدفوع إلى أن يتعب لتحصيل ما يحتاج إليه، ولا يتم له ذلك لولا ضوء النهار، ولأجله يحصل الاجتماع فيمكن المعاملات ومعلوم أن ذلك لا يتم لولا الراحة والسكون بالليل فلابد منهما والحالة هذه، فأما في الجنة فلا نصب ولا تعب فلا حاجة بهم إلى الليل فلذلك يدوم لهم الضياء واللذات، فبين تعالى أنه لا قادر على ذلك إلا الله تعالى، وإنما قال: {أَفَلاَ تَسْمَعُونَ} {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} لأن الغرض من ذلك الانتفاع بما يسمعون ويبصرون من جهة التدبر فلما لم ينتفعوا نزلوا منزلة من لا يسمع ولا يبصر قال الكلبي قوله: {أَفَلاَ تَسْمَعُونَ} معناه أفلا تطيعون من يفعل ذلك وقوله: {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} معناه أفلا تبصرون ما أنتم عليه من الخطأ والضلال، قال صاحب الكشاف السرمد الدائم المتصل من السرد وهو المتابعة، ومنه قولهم في الأشهر الحرم ثلاثة سرد وواحد فرد، فإن قيل هلا قال: بنهار تتصرفون فيه، كما قيل: بليل تسكنون فيه؟ قلنا ذكر الضياء وهو ضوء الشمس لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة ليس التصرف في المعاش وحده والظلام ليس بتلك المنزلة، وإنما قرن بالضياء أفلا تسمعون، لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من درك منافعه ووصف فوائده، وقرن بالليل أفلا تبصرون لأن غيرك يدرك من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه، ومن رحمته زاوج بين الليل والنهار لأغراض ثلاثة لتسكنوا في أحدهما وهو الليل، ولتبتغوا من فضله في الآخر وهو النهار ولأداء الشكر على المنفعتين معًا.
واعلم أنه وإن كان السكون في النهار ممكنًا وابتغاء فضل الله بالليل ممكنًا إلا أن الأليق بكل واحد منهما ما ذكره الله تعالى به فلهذا خصه به.
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74)}.
اعلم أنه سبحانه لما هجن طريقة المشركين، أولًا ثم ذكر التوحيد ودلائله، ثانيًا عاد إلى تهجين طريقتهم مرة أخرى وشرح حالهم في الآخرة فقال: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} أي القيامة {فيقول أَيْنَ شُرَكَائِىَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} والمعنى أين الذين ادعيتم إلهيتهم لتخلصكم، أو أين قولكم تقربنا إلى الله زلفى وقد علموا أن لا إله إلا الله فيكون ذلك زائدًا في غمهم إذا خوطبوا بهذا القول.
أما قوله: {وَنَزَعْنَا مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} فالمراد ميزنا واحدًا ليشهد عليهم، ثم قال بعضهم هم الأنبياء يشهدون بأنهم بلغوا القوم الدلائل وبلغوا في إيضاحها كل غاية ليعلم أن التقصير منهم فيكون ذلك زائدًا في غمهم، وقال آخرون بل هم الشهداء الذين يشهدون على الناس في كل زمان ويدخل في جملتهم الأنبياء وهذا أقرب لأنه تعالى عم كل أمة وكل جماعة بأن ينزع منهم الشهيد فيدخل فيه الأحوال التي لم يوجد فيها النبي وهي أزمنة الفترات والأزمنة التي حصلت بعد محمد صلى الله عليه وسلم فعلموا حينئذٍ أن الحق لله ولرسله {وَضَلَّ عَنْهُم} غاب عنهم غيبة الشيء الضائع {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} من الباطل والكذب. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {وَنَزَعْنَا مِن كُلَّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} فيه وجهان:
أحدهما: أخرجنا من كل أمة رسولًا مبعوثًا إليها.
الثاني: أحضرنا من كل أمة رسولًا يشهد عليها أن قد بلغ رسالة ربه إليها، قاله قتادة.
{فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: حجتكم، قاله أبو العالية.
الثاني: بينتكم، قاله قتادة.
{فَعَلِمُواْ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن العدل لله، قاله ابن جبير.
الثاني: التوحيد لله، قاله السدي.
الثالث: الحجة لله.
{وَضَلَّ عَنْهُم} يعني في القيامة.
{مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} في الدنيا من الكذب. اهـ.

.قال ابن عطية:

ثم أمر تعالى نبيه أن يوقفهم على أمر الليل والنهار وما منح الله فيهما من المصالح والمرافق وأن يوقفهم على إيجاده تعالى بتقليب الليل والنهار، وأنه لو مد أحدهما {سرمدًا} لما وجد من يأتي بالآخر، والسرمد من الأشياء الدائم الذي لا ينقطع، وقرأت فرقة هي الجمهور {بضياء} بالياء، وقرأ ابن كثير في رواية قنبل {بضئاء} بهمزتين وضعفه أبو علي، ثم ذكر عز وجل انقسام الليل والنهار على السكون وابتغاء الفضل بالمشي والتصرف وهذا هو الغالب في أمر الليل والنهار، فعدد النعمة بالأغلب وإن وجد من يسكن بالنهار ويبتغي فضل الله بالليل فالشاذ النادر لا يعتد به، وقال بعض الناس: قوله تعالى: {جعل لكم الليل والنهار} إنما عبر به عن الزمان لم يقصد لتقسيم، أي في هذا الوقت الذي هو ليل ونهار يقع السكون وابتغاء الفضل، وقوله: {ولعلكم} أي على نظر البشر من يرى هذا التلطف والرفق يرى أن ذلك يستدعي الشكر ولابد.
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74)}.
التقدير واذكر يوم يناديهم وكرر هذا المعنى إبلاغًا وتحذيرًا وهذا النداء هو عن ظهور كل ما وعد الرحمن على ألسنة المرسلين من وجوب الرحمة لقوم والعذاب لآخرين من خضوع كل جبار وذلة الكل لعزة رب العالمين.
فيتوجه حينئذ توبيخ الكفار {فيقول} الله تعالى لهم: {أين شركائي} على معنى التقريع، ثم أخبر تعالى أنه يخرج في ذلك اليوم {من كل أمة شهيدًا} يميز بينه وبين الناس وهذا هو النزع أن يميز بين شيئين فينتزع أحدهما من الآخرة، وقال مجاهد: أراد ب الشيهد النبي الذي يشهد على أمته وقال الرماني: وقيل أراد عدولًا من الأمم وخيارًا.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهم حملة الحجة الذين لا يخلو منهم زمان، والشهيد على هذا التأويل، اسم الجنس وفي هذا الموضع حذف يدل عليه الظاهر تقديره يشهد على الأمة بخيرها وشرها فيحق العذاب على من شهد عليه بالكفر ويقال لهم على جهة استبراء الحجة والاعذار في المحاورة {هاتوا برهانكم} على حق بأيديكم إن كان لكم، فيسقط حينئذ في أيديهم ويعلمون {أن الحق} متوجه {لله} عليهم في تعذيبهم، وينتلف لهم ما كانوا بسبيله في الدنيا من كذب مختلق وزور في قولهم هذه آلهتنا للأصنام وفي تكذيبهم للرسل وغير ذلك، ومن هذه الآية انتزع قول القاضي عند إرادة الحكم أبقيت لك حجة. اهـ.